من أوكرانيا إلى طهران: حين يتكرر سوء التقدير الإستراتيجي

في كل مرة تلوح فيها نذر مواجهة كبرى في الأفق، يتسابق بعض المحللين ووسائل الإعلام إلى إطلاق أحكام قطعية تستند إلى أمنيات أكثر مما تستند إلى معطيات. قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، سادت قناعة لدى كثيرين بأن موسكو ستحسم المعركة خلال 24 ساعة. غير أن الواقع أثبت أن أوكرانيا تحولت إلى مستنقع استنزاف معقّد، جرَّ معه المنطقة والعالم إلى معادلات جديدة لم تكن في الحسبان.

اليوم، يُعاد إنتاج الخطأ ذاته في ملف آخر: إيران.

إيران بعد الضربة: صدمة أم حسابات؟

في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على منشآت داخل الأراضي الإيرانية، سارع بعض المراقبين إلى إعلان عجز طهران عن الرد، واعتبار ذلك نهاية لهيبتها العسكرية الإقليمية. لكن قراءة أكثر عمقًا للمشهد تُظهر أن إيران، بدلًا من الرد الفوري، اختارت امتصاص الصدمة الأولى، والتحرك وفق إستراتيجية النفس الطويل.

ليست هذه المرة الأولى التي تُتهم فيها طهران بالتقاعس عن الرد، لكنها غالبًا ما تمهّد لتحرك أشمل وأكثر تأثيرًا، قد لا يحدث في المكان نفسه أو بالأسلوب نفسه.

منطق المقارنة: موسكو وطهران

ثمة قواسم مشتركة بين الحالتين:

المحور	أوكرانيا وروسيا	إيران والكيان الصهيوني
التقدير المسبق	حسم خلال أيام	عجز إيراني فوري
الواقع الميداني	حرب سنوات	صراع طويل متعدد الجبهات
طبيعة الرد	جبهات مفتوحة واستنزاف	رد غير مباشر وتراكمي
الأدوات	جيوش نظامية وميليشيات	حلفاء إقليميون ومنظومات صاروخية

حرب التقاطعات والمصالح

إذا تعذر على إيران الرد المباشر، فلن تُفوّت فرصة الرد غير المباشر. فطهران تمتلك شبكة واسعة من الحلفاء والميادين: من العراق وسوريا ولبنان، إلى اليمن وغزة. وهي تقرأ اللحظة الدولية والإقليمية بدقة، وتدرك أن أي صدام مفتوح الآن قد يُستخدم لإعادة تشكيل التحالفات أو لإعطاء غطاء دولي لإسرائيل في معركتها ضد ما تسميه "التهديد الإيراني".

وبدلًا من الانجرار إلى حرب شاملة بشروط العدو، يبدو أن إيران تراهن على استنزاف "الكيان" عبر ميادين متشابكة، في توقيت تختاره هي، لا يُفرض عليها.

في الختام

ما بين أوكرانيا وطهران، يبدو أن التاريخ يُعيد نفسه، ليس في ميادين الحرب فقط، بل في ميادين التحليل أيضًا. فكما فشلت التقديرات السريعة في فهم روسيا، تفشل اليوم في استيعاب إيران.

الحرب ليست رصاصة ورد فعل. بل هي معركة وعي، نفس طويل، وحسابات معقدة قد تمتد لسنوات.