🎯 التوافق داخل الفرق: حجر الأساس لنجاح العمل الجماعي
في بيئات العمل الحديثة، لم يعد يكفي أن يمتلك الموظف كفاءة فردية عالية فحسب، بل أصبح من الضروري أن يكون هناك توافق حقيقي بين أعضاء الفريق من أجل تحقيق الفعالية القصوى. وقد أشار باشري وآخرون (2017) إلى أن السلوك التنظيمي لا ينفصل عن التوافق بين الفرد والوظيفة والفريق والمنظمة ككل، إذ إن هذه العناصر مجتمعة تشكل أساس الأداء الفعّال.
✅ أهمية التوافق بين أعضاء الفريق
عندما يُكوَّن فريق عمل جديد، فإن انسجام أفراده لا يعتمد فقط على القيم أو الشخصيات المتقاربة، بل يمتد ليشمل عنصرًا محوريًا: تكامل المهارات. بمعنى آخر، قد يكون الأعضاء مختلفين من حيث الخبرات والتخصصات، لكن هذه الاختلافات تُثري العمل إذا كانت منظمة ومنسجمة مع أهداف الفريق.
وقد أكد المغربي (2016) أن اختيار الأفراد وفقًا لمهاراتهم الفريدة يسهم في إحداث نوع من التوازن داخل الفريق، إذ يُغطّي كل فرد جانبًا من جوانب العمل يفتقر إليه الآخرون، مما يؤدي إلى ما يُسمّى بـ "التوافق بين الفرد والوظيفة" (Person–Job Fit).
👥 أنواع التوافق في السياق التنظيمي
لفهم هذه الفكرة بعمق، لا بد من التطرق إلى أبرز أنواع التوافق التي تناولتها الأدبيات:
1️⃣ التوافق بين الفرد والمنظمة (Person–Organization Fit):وهو جوهر موضوعنا هنا؛ إذ يعني مدى تطابق مهارات الفرد، وخبراته، واهتماماته مع متطلبات الدور المحدد له داخل المنظمة أو الفريق. يتحقق هذا التوافق عندما تتوافق قدرات الشخص مع المسؤوليات المطلوبة، بما يضمن تحقيق أعلى درجات الكفاءة والإنتاجية (المغربي، 2016).
ويعتبر هذا التوافق حجر الزاوية في إدارة الموارد البشرية الحديثة، إذ تدور سياسات التوظيف والتعيين والتطوير المهني حول هذه الفلسفة. فلا يُنظر إلى شاغل الوظيفة كمجرد «موظف» يؤدي مهامًا، بل يُختار ويُهيأ ليكون الأنسب من حيث القدرات الفنية، والمهارات السلوكية، والاستعدادات الذهنية التي تتطلبها الوظيفة.
وعندما يتم انتقاء الأفراد ليكملوا المهارات الناقصة في الفريق — مثل تعيين محلل بيانات ضمن فريق تسويق يعتمد بشدة على التحليل الإحصائي — فإن ذلك يُعد مثالًا عمليًا للتوافق بين الفرد والوظيفة. هنا لا يتعلق الأمر بالتشابه، بل بالتكامل الذي يسد فجوات الأداء ويحقق التكافؤ بين متطلبات المهمة وإمكانيات العنصر البشري.
ويمتد مفهوم التوافق بين الفرد والوظيفة إلى مرحلة ما بعد التعيين أيضًا، إذ يُعاد تقييم هذا التوافق بشكل دوري من خلال التدريب المستمر وتوسيع نطاق المهام بما يتناسب مع تطور قدرات الفرد، لضمان عدم حدوث فجوة مع تطور متطلبات العمل أو التكنولوجيا (باشري وآخرون، 2017).
ويمكن القول إن التوافق القوي بين الفرد والوظيفة لا يسهم فقط في تحقيق الأداء العالي، بل أيضًا في تعزيز رضا الموظف وشعوره بالانتماء؛ إذ يشعر الموظف بأنه في المكان المناسب الذي يوظف قدراته ويقدّرها ويمنحه فرصة التطور المهني المستمر.
2️⃣ التوافق بين الفرد والوظيفة (Person–Job Fit):
🔍 التكامل بدلًا من التشابه
من الأخطاء الشائعة أن يسعى بعض القادة إلى اختيار أفراد متشابهين جدًا في المهارات والشخصية، ظنًا أن هذا يضمن الانسجام. إلا أن الدراسات الحديثة تؤكد أن التكامل هو الأهم، لا التشابه المطلق. بمعنى آخر، عندما يفتقر الفريق إلى مهارة معينة، يصبح من الحكمة ضم عضو جديد يمتلك هذه المهارة تحديدًا، حتى لو اختلفت شخصيته أو خلفيته الأكاديمية (النجار وآخرون، 2023).
🎓 خلاصة عملية
يمكن القول إن نجاح الفريق يعتمد على إدارة القادة لمفهوم التوافق بشكل متوازن:
- توافق الأفراد مع وظائفهم يسد الفجوات المهارية.
- توافق الأفراد مع الفريق يعزز التعاون.
- توافق الأفراد مع ثقافة المنظمة يدعم الولاء والاستمرارية.
وبهذا يصبح الفريق أكثر قدرة على الإنجاز، وأقل عُرضة للتعارضات الداخلية، وأكثر مرونة في مواجهة التحديات.
📚 المراجع
- باشري، نفيسة محمد وآخرون. (2017). السلوك التنظيمي. جامعة القاهرة.
- المغربي، محمد الفاتح محمود بشير. (2016). السلوك التنظيمي. دار الجنان للنشر والتوزيع.
- بقيعي، نافز أحمد عبد. (2015). العوامل الخمسة الكبرى للشخصية وعلاقتها بالرضا الوظيفي. المجلة الأردنية في العلوم التربوية.
- النجار، حميدة محمد وآخرون. (2023). أثر توافق الفرد مع بيئة المنظمة على الأداء الإبداعي. المجلة العلمية للدراسات والبحوث المالية والتجارية.